السبت، 5 مارس 2011

الصلة بين التصوف والتشيع

الصلة بين التصوف والتشيع

ـ1- أوائل المتصوفة وعلاقتهم بالتشيع

يذكر الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتابه (الصلة بين التصوف والتشيع) أن أول من تسمى باسم الصوفي في الإسلام ثلاثة، هم جابر بن حيان، وأبو هاشم الكوفي، وعبدك الصوفي
فأما جابر بن حيان فقد كان تلميذاً لجعفر الصادق أو عبده، والشيعة يرون أن جابراً هذا من كبارهم وأنه أحد الأبواب (الباب عند الشيعة هو المتكلم باسم الإمام) وأنه ألف كتباً في التشيع، وكان له مذهب خاص في الزهد ويذكر القفطي صاحب كتاب (إخْبارُ العلماء بأخبار العلماء) أن جابر بن حيان هذا كان مشرفاً على كثير من علوم الفلسفة ومتقلداً للعلم المعروف بعلم الباطن وهو مذهب المتصوفين من أهل الإسلام كالحارث المحاسبي، وسهل بن عبدالله التستري ونظرائهم، وقد كان جابر هذا بارعاً في الكيمياء ويقول عنه صاحب كتاب روضات الجنات (وأما البارع في هذه الصناعة على الإطلاق -علوم الطلسمات- فهو المقدم فيها الشيخ الآجل أبو موسى جابر بن حيان الصوفي منشئ كتاب المنتخب)ـ



وأما الرجل الثاني الذي تسمى قديماً باسم الصوفي فهو أبو هاشم الكوفي وأنه أول من بنى خانقاه (دار خاصة للمنقطعين إلى التصوف) للصوفية في الرملة، وأنه كان يلبس لباساً طويلاً من الصوف كفعل الرهبان وكان يقول بالحلول والاتحاد مثل النصارى غير أن النصارى أضافوا الحلول والاتحاد إلى عيسى عليه السلام وأضافهما هو لنفسه ويقول الدكتور كامل الشيبي


ـ"ويظهر من كل ما دار حول أبي هاشم أن أخباره كانت قليلة وهي في اضطرابها تعدل الأخبار الواردة عن جابر بن حيان أو تزيد، ولكن أبا هاشم على كل حال كان معاصراً لجعفر الصادق أي معاصراً لجابر بن حيان ويسميه الشيعة مخترع الصوفية وينقلون عن الصادق أنه قال فيه (إنه فاسد العقيدة جداً، وهو ابتدع مذهباً يقال له التصوف وجعله مقراً لعقيدته الخبيثة) كل ذلك لينفوا أن يكون التصوف من اختراع شيعي وذلك أمر يدل على التنصل من مسؤولية لم تمحص نتائجها ولا أغراضها" أ.هـ (الصلة بين التصوف والتشيع)ـ


وأما عبدك الصوفي فيذكر الدكتور كامل الشيبي أيضاً أن الدكتور قاسم غني نقل عن ماسنيون أنه كان آخر شيوخ فرقة نصف شيعية ونصف صوفية تأسست في الكوفة، وظهرت كلمة (صوفية) في آثار المحاسبي والحافظ اسما لها، وأن (عبدك) هذا كان رجلاً منزوياً زاهداً توفي ببغداد سنة 210هـ وأنه أول من أطلق عليه اسم الصوفي وكان يطلق في ذلك الحين على بعض زهاد الكوفة من الشيعة، وعلى مجموعة من الثائرين في الإسكندرية، وأن (عبدك) هذا كان من كبار المشايخ وقدمائهم قبل بشر بن الحارث الحافي، والسري بن المغلّس السقطي، و(عبدك) هذا كان رأس فرقة من الزنادقة الذين زعموا أن الدنيا كلها حرام محرم لا يجوز الأخذ منها إلا القوت من حيث ذهب أئمة العدل، ولا تحل الدنيا إلا بأيام عادل، وإلا فهي حرام ومعاملة أهلها حرام. ولا يجوز الأخذ إلا مقدار القوت فقط


ويضيف كامل الشيبي أن اسم (عبدك) هذا هو عبدالكريم وأن حفيده محمد بن عبدك كان مقدم الشيعة. وهكذا يبدو عبدك هذا جامعاً لاتجاهات عديدة مختلفة نابعة من التشيع الممتزج بالزهد الذي انتشر في الكوفة وأنه أول كوفي يطلق عليه اسم الصوفي...

ويعلق الدكتور كامل الشيبي على كل هذا قائلاً
ـ"أما بعد فإن نتيجة هذا كله أن كلمة (صوفي) التي قطع الباحثون المحدثون بصدورها عن الصوف قد صارت كذلك لأن الصوف قد عم زهاد الكوفة نفسها حيث ظهرت هذه الكلمة أولاً. وقد اشتق التصوف من الصوف. وقد رأينا أن لبس الصوف قد نبع من بيئة الكوفة التي عرف تمسكها بالتشيع ومعارضتها وحربها بالسيف أو بالقول أو بالقلب لمن نكل بالأئمة العلويين. وذلك -إذا صح- يقطع بأن التصوف في أصوله الأولى كان متصلاً بالتشيع"ـ

ـ (الصلة بين التصوف والتشيع ص272)ـ


ـ2- أوجه التلاقي بين التصوف والتشيع
المطلع على حقيقة مذاهب الصوفية، وعلى حقيقة مذاهب التشيع يجد أن المذهبين ينبعان من أصل واحد تقريباً ويهدفان في النهاية إلى غاية واحدة ويشتركان في عامة العقائد والشرائع التي ينتحلها كل منهم. وإليك التفصيل لهذا الإجمال


أ-ادعاء العلوم الخاصة
أول شيء يحب الشيعة أن ينفردوا به عن سائر فرق المسلمين أن عندهم علوماً خاصة ليست مبذولة لعموم الناس وهم ينسبون هذه العلوم تارة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بزعم أن عنده أسرار الدين، وأنه وصي الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كتم عنده ما لم يطلع عليه باقي المسلمين، وتارة يزعمون أن عندهم علوم الأئمة أولاد علي من فاطمة وأن هؤلاء الأئمة يعلمون الغيب كله ولا يخطئون ولا ينسون، ولا يستطيع أحد أن يفهم الإسلام إلا من طريق الأئمة، فأسرار القرآن وحقيقة الدين عند الأئمة وحدهم، وتارة يزعمون أن عندهم قرآناً خاصاً يسمونه قرآن فاطمة وأنه يعدل هذا القرآن الذي بأيدي المسلمين ثلاث مرات (الدين بين السائل والمجيب للحاج ميرزا الحائري الإحقاقي ص89)ـ
وليس فيه حرف من القرآن الذي بأيدي المسلمين اليوم. وأخرى يزعمون أن عندهم الجفر، وهو جلد قد كتب فيه كل العلوم
وهكذا يزعمون لأنفسهم علوماً في الدين ليست عند أحد إلا عندهم فقط، ومرة أخرى يزعمون أن عندهم التفسير الحق لآيات القرآن بل يقولون إن الله بعث محمداً بالتنزيل (يعني حروف القرآن) وبعث علياً بالتأويل - (يعنون التفسير) (فرق الشيعة ص38)


ولقد درج المتصوفة أنفسهم على هذا المنوال نفسه فأعظم ما يلوح به المتصوفة ويتفاخرون به على الناس أن لديهم علوماً لدنية لا يطلع عليها إلا هم ولا يصل إليها إلا من سار على طريقهم بل إنهم احتقروا ما عند عامة المسلمين بل والرسل أنفسهم بجوار ما زعموا لأنفسهم من العلم كما قال كبيرهم أبو يزيد البسطامي: "خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله" وقال أيضاً: "أخذتم علمكم ميتاً عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت يقول أحدكم: حدثنا فلان عن فلان وأين فلان قالوا مات، وأما أحدنا فيقول: قلبي عن ربي".

وهكذا زعم المتصوفة أنهم أصحاب الكشف والعلوم اللدنية وأن من سار خلفهم تلقى عنهم واستفاد منهم، بل إنهم يزعمون ربط قلب المريد بقلب الشيخ ليتلقى العلم اللدني من الشيخ، ثم إن الشيخ أيضاً يربط قلب المريد بالرسول ليتلقى العلوم اللدنية من عند
الرسول صلى الله عليه وسلم...

وجعل المتصوفة كذلك مصدر علومهم الخاصة التأويل الباطني للقرآن والحديث حيث يزعمون تارة أنهم تلقوا هذا التأويل من الله، وتارة يزعمون أنه من الملك، وأخرى أنه بالإلهام وكذلك ينسبون علومه الباطنية إلى معرفة أسرار الحروف المقطعة في المصحف، والتلقي عن الخضر عليه السلام، بل والزعم بأن تلقيهم يكون أحياناً عن اللوح المحفوظ بالسماء، وهذا عين ما ادعته الشيعة أيضاً في أئمتهم حيث زعموا لهم أنهم يعلمون الغيب وأنه لا تسقط ورقة إلا يعلمونها، ولا يحدث حدث في الأبد أو الأزل إلا هم على علم منه. وهذا عما ادعته المتصوفة لأنفسهم وأئمتهم.وهكذا تتطابق عقيدة التشيع مع معتقد المتصوفة في قضية العلم الباطني حتى لكأنهما شيء واحد


ب- الإمامة الشيعية والولاية الصوفية
ما زعمه الشيعة في أئمتهم هو عين ما ادعاه المتصوفة فيمن سموهم بالأولياء أيضاً. فقد بني مذهب الرفض على أن الأئمة أناس مختارون من قبل الله سبحانه وتعالى لقيادة الأمة بعد الرسول، وأنهم لذلك يملكون علوماً خاصة لدنية، وهم لذلك لا يخطئون ولا ينسون ولهم منزلتهم من الله التي استحقوها استحقاقاً ووهباً واختصاصاً واجتباءً ثم غلوا في هؤلاء الأئمة فجعلوهم آلهة أرباباً بكل ما تحمله الكلمة من معان فهم متصرفون في كل ذرات الكون، وهم يدخلون الجنة من شاءوا ويدخلون النار من شاءوا، ومن الرافضة من جعل روح الله حالة فيهم كما قالت الإسماعيلية والنصيرية، ومنهم من جعل منزلتهم فوق منازل الأنبياء والرسل والملائكة جميعاً وقال: "إن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل وأنهم يتحكمون في قرارات هذا الكون" (الخميني في الحكومة الإسلامية ص54)ـ


وهذه العقائد نفسها هي التي أخذها المتصوفة وأطلقوها على من سموهم بالأولياء فكما خلع الرافضة صفات الألوهية والربوبية على الأئمة خلع المتصوفة صفات الربوبية والألوهية على الأولياء المزعومين. فجعلوهم أيضاً متصرفين في الكون أعلاه وأسفله ويعلمون الغيب كله، ولا يغرب عنهم صغير من أمر العالم أو كبير، وأن مقامهم لا يبلغه الأنبياء والملائكة، وأنهم نواب الله في مملكته والمتصرفون في شأن خلقه، وأنهم يدخلون الجنة من شاءوا ويخرجون من النار من شاءوا

وإذا كان الرافضة قد جعلوا بعد مقام الإمامة مقامات أقل من ذلك كالنقباء وهم وكلاء الإمام॥ وهذه الفكرة نفسها قد أخذها المتصوفة وجعلوا مقام الولي الأعظم وسموه القطب الغوث، ثم يليه الأقطاب الثلاثة ثم يليه الأبدال السبعة ثم النجباء السبعون وهكذا.. مقتبسين كل ذلك من الترتيب الشيعي للولاة والأئمة.. وهكذا يتطابق الفكر والعقيدة الرافضية في الإمامة مع العقيدة الصوفية في الولاية

للمزيد


ليست هناك تعليقات: